رئيس الرقابة المالية: مبادرة تطوير سوق الكربون الطوعية حجر الزاوية فى تنفيذ استراتيجية مصر لمواجهة تغير المناخ
وأوضح الدكتور محمد فريد رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية، خلال افتتاحيته في العدد الرابع من مجلة “سياسات المناخ” التي يصدرها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، أنه لا يمكننا أن ننكر الآثار المتصاعدة لتغير المناخ وما تشير إليه الاتجاهات الحالية نحو تغييرات لا رجعة فيها على مستوى الكوكب. تشمل أمثلة الظواهر المناخية التي يشهدها العالم حاليًا ارتفاع درجات الحرارة، والظواهر الجوية المتطرفة، وارتفاع مستوى سطح البحر، وكلها تؤثر على النظم البيئية، الاقتصاد ورفاهية الإنسان.
وتحذر الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) من أن تجاوز 1.5 درجة مئوية من ظاهرة الاحتباس الحراري سيؤدي إلى عواقب وخيمة وواسعة النطاق، بما في ذلك زيادة الجفاف والفيضانات وموجات الحر، والتي لها آثار غير مواتية على المجتمعات الضعيفة والنامية. علاوة على ذلك، هناك فجوة كبيرة في تمويل المناخ في البلدان النامية، مما يعيق قدرتها على التخفيف من هذه التحديات والتكيف معها. وأبرز تقرير للأمم المتحدة لعام 2021 أن الدول النامية باستثناء الصين ستحتاج إلى ما يقدر بـ 4.3 تريليونات دولار سنويا بحلول عام 2030 للعمل المناخي لتحقيق أهداف اتفاق باريس.
وأضاف الدكتور محمد فريد أنه مع تزايد الاهتمام العالمي بالعمل المناخي، برزت أسواق الكربون كأحد الأدوات الرئيسية لتمويل جهود التخفيف والتكيف. ولعبت مصر، وهي إحدى الدول الأكثر عرضة لمخاطر تغير المناخ، دورًا رائدًا، حيث أنشأت هيئة الرقابة المالية أول سوق. سوق الكربون التطوعي (VCM) يهدف هذا النهج القائم على السوق إلى تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية، ويشجع الممارسات المستدامة ويقدم فرصًا كبيرة للدولة. بالنسبة لمصر، يوفر سوق الكربون الطوعي فرصًا لجذب الاستثمار الأجنبي، وتعزيز التنمية المستدامة، وخلق فرص عمل خضراء، وتسهيل نقل التكنولوجيا. ومع ذلك، فإن نجاح سوق الكربون الطوعية يعتمد على التنظيم القوي لتجنب ما يسمى الغسل الأخضر وضمان سلامة خفض الانبعاثات.
وناقش الدكتور محمد فريد خلال مقاله دور شهادات الكربون في تمويل المناخ في مصر، حيث تعادل شهادة ائتمان الكربون طنًا واحدًا من مكافئ ثاني أكسيد الكربون المختزل أو المتجنب أو الملتقط، والذي تم التحقق منه من خلال مشاريع موثوقة، و ويمكن تداول هذه الشهادات، مما يمكن المستثمرين من تعويض الانبعاثات التي يطلقونها من خلال مشروعاتهم من خلال مبادرات خفض الكربون في مجالات متعددة، مثل الطاقة المتجددة أو التشجير، ويتوافق النهج المتبع في شهادات خفض انبعاثات الكربون في مصر مع مبادئ 2030 الرؤية التي يسهل الاستثمار في الطاقة المتجددة، ويدعم تكيف المجتمعات الأكثر عرضة لتغير المناخ.
وكانت هيئة الرقابة المالية في طليعة من أنشأ سوق الكربون في مصر، مما جعله أول سوق منظم لتجارة الكربون. وتهدف هذه المبادرة إلى جعل مصر مركزًا إقليميًا لتجارة الكربون، كما تم الإعلان عنه في المؤتمر السابع والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ، وتتضمن خطة عمل الهيئة ما يلي: تتبنى الهيئة العامة للرقابة المالية مسارًا متعدد المسارات حيث تعمل الهيئة على تطوير البنية التحتية اللازمة والامتثال للمعايير الدولية وتعزيز التعاون بين الجهات المعنية من القطاعين العام والخاص. ويعتبر إقرار القوانين والتشريعات التي تنص على تداول شهادات الكربون كأدوات مالية أول الإجراءات المتخذة. وأدى إلى خلق بيئة منظمة للمستثمرين للعمل؛ وقد تم إجراء العديد من التعديلات على أنظمة سوق رأس المال لتحقيق هذا الهدف.
وفيما يتعلق بالحوكمة وإمكانية الوصول، أوضح أنه في يناير 2023، أنشأت الهيئة العامة للرقابة المالية لجنة سوق الكربون للإشراف على عمليات السوق، وهذه اللجنة – التي تضم في عضويتها ممثلين عن وزارة البيئة والبورصة المصرية وخبراء من القطاع الخاص القطاع – يلعب دورًا محوريًا في ضمان الشفافية والنزاهة في تشمل مسؤوليات هذه اللجنة وضع معايير لتسجيل هيئات إصدار الشهادات والتحقق، ومتطلبات الموافقة على سجلات الكربون الطوعية، واعتماد المبادئ العالمية لنزاهة شهادات الكربون، على علم بالتكاليف. وعملت الهيئة على جعل أسواق الكربون في متناول المطورين المحليين، وبالتعاون مع مجلس الاعتماد المصري، قامت الهيئة بتبسيط عملية الاعتماد لهيئات التحقق وإصدار الشهادات مع الحفاظ على المعايير الدولية، حيث تضمنت الأطر التشريعية التي وضعتها الهيئة صدور القرار رقم 163 لسنة 2023 بشأن معايير تسجيل جهات التحقق وإصدار الشهادات لمشاريع خفض الانبعاثات الكربونية. وهكذا مكنت الهيئة الخبرات المحلية من لعب دور حيوي إلى جانب الممارسات الدولية.
وفيما يتعلق ببناء سوق قوية وشفافة، أوضح أن هيئة الرقابة المالية ركزت على إنشاء البنية التحتية المحلية وتعزيز الشفافية لدعم تجارة الكربون، كما ذكرنا أعلاه، بالتعاون مع البنك الدولي، حيث أصدرت الهيئة القرار رقم 30 لسنة 2024، الذي يحدد معايير اعتماد سجلات الكربون الطوعية لدى الهيئة. وتعتبر هذه السجلات ضرورية لإصدار وتتبع شهادات الكربون وضمان سلامة السوق. وشدد القرار على مبادئ الحوكمة القوية، خاصة في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والأمن السيبراني، لضمان مصداقية السوق المصرية، ومواصلة تعزيز الشفافية. وفي مارس 2024 أصدرت الهيئة القرار. قرار رقم 31 لسنة 2024 الخاص بتفصيل عملية قيد شهادات الكربون وشطبها من سجلات البورصة المصرية. ويضمن هذا القرار إمكانية الوصول إلى المعلومات المتعلقة بمشاريع الحد من الكربون وأن يظل التداول في شهادات الكربون شفافًا وعادلاً. بالإضافة إلى ذلك، فإن طرح العقود الآجلة على شهادات الكربون يوفر للمستثمرين أدوات لإدارة المخاطر، وهي سمة فريدة لسوق الكربون الطوعي في مصر.
أما بالنسبة لمعيار المحاسبة العالمي، فقد قدمت هيئة الرقابة المالية في مارس 2024 مواصفات شاملة للمعالجة المحاسبية لشهادات الكربون، مما يوضح متى يجب تصنيف هذه الشهادات كأصول غير ملموسة أو أدوات مالية. وتساعد هذه المواصفات، التي تم تطويرها من خلال المشاورات العالمية، على مواءمة مصر مع الممارسات الدولية، ووضع معايير للأسواق النامية الأخرى.
وفيما يتعلق بإطلاق وأهمية سوق الكربون الطوعي المنظم في مصر، فقد توجت كافة الجهود المذكورة أعلاه بإطلاق أول سوق كربون طوعي منظم في مصر في 13 أغسطس 2024. وقد مثل هذا الحدث إنجازًا كبيرًا لمصر، حيث أنها وأثبتت الشركة قدرتها على دمج المعايير العالمية مع الخبرات المحلية، وتضمنت: إطلاق صفقات كبرى في السوق، مثل تلك التي أجرتها شركة إيزيس للصناعات الغذائية وشركة دالتكس، مما يشير إلى استعداد مصر للمنافسة على نطاق عالمي واسع.
وأوضح الدكتور محمد فريد في ختام مقاله أن المبادرة الرائدة للهيئة العامة للرقابة المالية في تطوير سوق الكربون التطوعي المنظم هي حجر الزاوية في تنفيذ استراتيجية مصر لمواجهة تغير المناخ، ومن خلال معالجة التحديات التنظيمية، تقليل الحواجز أمام الأنشطة المحلية المطورين، وضمان وجود معايير الشفافية، رسخت الهيئة مصر في مكانة رائدة في سوق الكربون في أفريقيا. ولا يعد هذا السوق المنظم محوريًا لتحقيق أهداف مصر المناخية فحسب، ولكنه أيضًا بمثابة نموذج للدول النامية الأخرى التي تهدف إلى تسخير قوة شهادات خفض انبعاثات الكربون لتحقيق النمو المستدام. ومن ثم تلعب شهادات الكربون دورًا مزدوجًا في كليهما؛ دعم الجهود المبذولة للحد من انبعاثات الكربون على مستوى العالم، وكذلك دفع التنمية المستدامة في مصر، ومع نضوج السوق، من المتوقع أن يلعب سوق الكربون دورًا أكبر في زيادة تمويل المناخ، ودعم تنفيذ استراتيجية العمل المناخي في مصر.
للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .
اكتشاف المزيد من العاصمة والناس
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.