علي الكشوطي يكتب: أن يأتى أليك الموت زاحفا فتباغته راكضا.. عن تحفة الغرفة المجاورة
كتبت/ زيزي عبد الغفار
هناك العديد من الأفلام التي تتناول قصص النجاة من الموت، وربما برعت السينما الأمريكية في تقديم هذه الأفلام كنوع من الأفلام التجارية، وتبعتها العديد من دور السينما من مختلف البلدان. وكلما كانت التحديات التي تواجه محاولات الناجي للهروب من الموت ملموسة، كلما كان العمل حماسياً ويرفع مستوى الروح المعنوية. مستوى الأدرينالين لدى المشاهد.
جوليان مور وتيلدا سوينتون
وفي تناقض تام مع هذه الصفة التي غالبا ما تثير الشفقة والتعاطف، اختار المخرج الإسباني الكبير بيدرو ألمودوفار الوقوف في الجانب المقابل. وبدلاً من السعي وراء فرص النجاة والهروب من الموت، لاحظ في فيلمه الجديد «الغرفة المجاورة» الذي… عُرض في مهرجان الجونة السينمائي خارج المنافسة، رحلة الهروب إلى الموت وليس منه. وهو عمل مستوحى من رواية “ماذا تمر” للكاتبة الأمريكية سيغريد نونيز، وحرص بيدرو ألمودوفار، الذي يشارك في كتابة السيناريو، على وضع اقتباسات في السيناريو من القصة القصيرة للروائي الأيرلندي و للشاعر جيمس جويس والتي صدرت عام 1914 بعنوان “الموتى”.
جوليان مور
اختار بيدرو ألمودوفار بطلتي فيلمه The Next Room بسبب التناقض في شخصيتيهما. جوليان مور “إنغريد” تخشى الموت وكتبت كتاباً كاملاً عن هذا الخوف، والأخرى تيلدا سوينتون “مارثا” تواجه الموت بشجاعة، بدءاً من عملها كمراسلة حربية، تتجول في البلدان المحترقة، ترصد، تحلل، والمتابعة المستمرة، ذلك التناقض. وما وضعه المخرج على بوستر فيلمه هو نصف وجه لكل منهما، وكل منهما عكس الآخر. أحدهما ينظر للأعلى والآخر يرى ما يراه الأول، ولكن العكس.
يعتقد البعض أن الفيلم يتحدث عن الموت، لكنه في الواقع يتحدث عن الحياة ويعلي من قيمتها، بدءاً من بداية علاقة الحب بين مارثا ووالد ابنتها الوحيدة أليكس أندرسون “فريد” التي رحلت عن الحياة. ليذهبوا إلى الحرب، ليعودوا منها كما عاد من قبل. جسد بلا روح، يحاول العودة إلى الحياة وقيمتها، لكن آثار الحرب لم تفارقه أبدًا.
كلمة السر في الفيلم هي الحرب، الحرب بمعناها اللفظي والأخلاقي، الحرب على الأرض في معركة زائفة. ترمي القوى العظمى زهرة شباب مواطنيها إلى الدمار من أجل مكاسب سياسية واقتصادية، وفي المقابل تجني قنابل موقوتة قادرة على الانفجار في أي لحظة على شكل بشر فقدوا أرواحهم وبقيوا أجساداً لا أرواحاً. جسد بشري مشوه، أو الحرب ضد السرطان.
تيلدا سوينتون
حرص ألمودوفار على أن يبقى العمل مفعماً بالحياة رغم حديثه عن الموت، فاختارت مصممة الأزياء بينا دجلر الملابس بألوان مبهجة، بينما اختار المصمم الداخلي غابرييل ليستي لون أبواب الغرفة ومفروشاتها وألوانها. أثاث بألوان نارية مليئة بالحياة في مواجهة الموت. ألوان تلفت الأنظار، وتتوافق مع الإطارات. وزوايا تصوير المودوفار التي تمجد جماليات الكون والطبيعة، صوت الطيور والأشجار، وزخات المطر وبلورات الجليد، ومع قرار المودوفار باختتام مارثا تعيش حياتها مرتدية أحمر الشفاه الأصفر والأحمر.
الموسيقى التصويرية للفيلم قدمها الإسباني ألبرتو إجليسياس فرنانديز، الذي رشح لجائزة الأوسكار 4 مرات. ويعد هذا التعاون الرابع عشر للمودوفار، إذ قدم ألبوماً أوركسترالياً كاملاً يتكون من 26 مقطوعة في الفيلم، مما أضفى على العمل رونقاً وثراءً إضافياً على المستوى الصوتي، مما زاد من ثرائه على مستوى القصة والصورة، خاصة في القطعة. . الثلج يتساقط تحت الأحياء والأموات والحرب في رأسي.
يعد الأداء التمثيلي لجوليان مور “إنجريد” وتيلدا سوينتون “مارثا” من أجمل العناصر التي تميز تحفة بيدرو ألمودوفار “الغرفة المجاورة”، حيث تحافظ دائمًا على طبيعة الشخصية بين إنجريد، الشخصية الحساسة والملهمة، الكاتبة التي تعبر عن مشاعرها، في مواجهة مرثا التي جرفتها الحروب. لقد غطت الكثير من مشاعرها وأحاسيسها، لكنها لا تزال تملك القدرة الكافية لتشعر بالندم تجاه ابنتها أو لتترك ذكرى جميلة لصديقتها، والمثير في الأمر أن المودوفار يجعلك تشعر بمعاناة مارثا مع مرض السرطان دون مناشدة مشاعر الشفقة لديك. أنت تتفاعل مع قرارات مارثا دون الحكم عليها.
للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .
اكتشاف المزيد من العاصمة والناس
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.