فن ومشاهير

عريس البحر.. رحلة صراع الطمع ومواجهة عواصف القدر

عريس البحر.. رحلة صراع الطمع ومواجهة عواصف القدر

كتبت/ زيزي عبد الغفار

“اثنان من أغنياء صعيد مصر كانا شقيقتين، ولكن بعد الضلال انفصلا. لم يعودوا أخوات. وكان بينهم خلاف على الميراث، ومن يراهم يقول إن الدول الغربية ليست أخوات”. حضور جماهيري كبير، وكذلك على مسرح اليسوعي ونهاد صيحة بالقاهرة، ولاقى استحسان الجميع، يلخص جزءًا من القصة، قصته. تناولت المسرحية إحدى أهم قضايا صعيد مصر، وقدمت معالجة درامية ثرية للعديد من المواضيع الاجتماعية التي أخذت المشاهد في رحلة مثيرة طوال ما يقرب من ثلاث سنوات. ولساعات، ودون الشعور بالملل ولو للحظة، تخللت دراما العرض بعض المشاهد الكوميدية التي أضفت عليه لمسة خفيفة.

قدم “العريس” صراعًا داخليًا بين الخير والشر، ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل تناول أيضًا النتائج المدمرة للجشع والبخل. في بداية العرض تدخل قاعة المسرح وتختبر أجواء ومراسم العزاء في صعيد مصر. تجلس النساء على الأرض ويؤدون طقوس الحداد واللطم، فيما يقف الرجال ليأخذوا تعازيهم، ويسود الحزن. على الفور، لكن هذا الحزن سرعان ما ينقطع بظهور طمع وجشع هريدي الأخ الأكبر، الذي يعتقد أن كل الميراث هو حقه، وكيف لا يكون ذلك وهو يعمل مع والده منذ الصغر، ولم يكمل تعليمه، على عكس أخيه الذي ذهب للدراسة في الجامعة وحصل على شهادة جامعية كبيرة، مما جعله يظن أنه قد استحق حقه.

ويندلع خلاف بينهما، ويستمر هذا الخلاف لسنوات حتى تلد زوجة عمران الأخ الأصغر توأمًا. وهذا ما تنبأ به المجذوب الذي يؤويه عمران ويتعاطف معه. ودائماً ما يتنبأ بما سيحدث، وكأنه كما يقولون «بينه وبين ربنا عمار»، مع زيادة ديون هريدي حتى لم يعد لديه أي أموال. يمتلك شيئًا، وخطرت في ذهنه فكرة من شأنها أن تحل جميع مشاكله، وهي قتل أخيه، وبالتالي الاستيلاء على كل أمواله بعد أن يصبح وليًا لأهل بيته، وينفذ خطته بالفعل، لكنه ولم يكن يعلم أن الحضانة ستكون لأمه ما دامت على قيد الحياة، فيرثها ابنه. أخوه عمران بعد أن ينمو كل المال.

ومن يفكر في القتل مرة لن يجد صعوبة في تكراره مراراً وتكراراً. وبالفعل قرر هريدي التخلص من ابن أخيه، فاستعان بقطاع الطرق. وهنا تحدث المفارقة وتظهر نقطة تحول الأحداث، إذ لم يتمكن أحد المطاردين من قتله، خاصة أمام دموع والدته وتوسلاتها، فيقرر وضعه في صندوق في حال كان البحر متجها إليه. ليعيش، سيجده أحد المارة ويعتني به، وإذا قدر له أن يموت سيغرق، فتضع الأم المسكينة شهادة ميلاده معه في الصندوق وتعطيها لهم بلا حول ولا قوة.

يجد أحد المارة الصندوق ويأخذه إلى زوجته. قرروا تربيته وتسميته صبري. ومن ناحية أخرى، يتحقق عدالة الله في الحريدي عندما يعترف له قاطع الطريق ويتم إعدامه. تكبر شقيقة صبري مع والدتها، ولم تنس والدتها شامة أخيها ولو ليوم واحد. كان الشعور بالذنب موجودًا دائمًا. لقد طاردها، لكن لم يكن هناك شيء يمكنها فعله. نشأ صبري مع والده ووالدته اللذين أحسنا تربيته وعلماه تربية صالحة. وفي أحد الأيام ذهب صبري مع صديقه للقاء حبيبته، وهنا التقى صبري بشقيقته هيام، وأعجب بها. لقد كانت لعبة القدر. لم يكن يعرف. كانت أخته، وكان يعتقد أن الشعور الذي يشعر به هو الحب. وربما كان حب الأخ لأخته، لكنه لم يدرك ذلك. ذهب صبري وتقدم لها، ووافقت هيام، لكن والدتها شمة شعرت أن هناك خطأ ما.

وتزوج الشقيقان واندهش الجمهور مما سيحدث بعد ذلك وكيف سينكشف الأمر. وبدأت نبضات قلوبهم تتسارع، وهم يتابعون بقية أحداث المسرحية بشغف. لكن ما يحدث هو أن صبري يمرض دون أن يعرف أحد علاجه، وبالصدفة تعطي الزوجة شهادة ميلاد صبري التي وجدتها معه يوم العثور عليه. ظنته حجابًا، وهنا تأتي الصدمة عندما يكتشفون سر أن صبري هو شقيق هيام، فيسرعون معه إلى منزل شاما ليخبرها بما تعلموه. تتذكر شما يوم الحادثة وتحتضن ابنها الذي عاد إليها بعد سنوات طويلة من الغياب والقهر والعذاب.

والحقيقة أن رؤية المخرج المسرحية كانت واعية للغاية. وقدم المخرج المسرحية بين الرمزية والواقعية، مستخدماً تقنيات مختلفة سلطت الضوء على الصراع النفسي والمجتمعي الذي تمثله القصة. واعتمد المخرج خلال الصورة على الإيقاع السريع تارة والإيقاع البطيء تارة أخرى للتعبير عن الأحداث سواء في الصراعات أو المواجهات. وكذلك المشاهد الكوميدية للشخصيات الثانوية تمت بأسلوب خفيف، كما أن الديكور والإضاءة كانت معبرة جداً وخدمت مشاهد المسرحية. أما بالنسبة للممثلين، فالحقيقة أنهم كانوا جميعًا جيدين لدرجة أنك قد تعتقد للحظة أنك أمام محترفين. على سبيل المثال، شخصية شمة الأم التي مرت بعدة مراحل عمرية وتعرضت للعديد من الصراعات والمظالم. وشخصية مجذوب الذي تشك بأنه مجذوب حقيقي نظرا لعمقه الكبير في الشخصية وتركيزه على كل تفاصيلها، إلى جانب الأخوين عمران وهريدي أيضا، وغيرهم من بقية فريق العمل الذين نالوا إعجابهم. لنا بأدائه ولم نجد شخصية واحدة على المسرح لم تكن في مكانها الصحيح. وطبعاً كل ذلك بتوجيهات من مخرج واعي مثل المخرج وليد طلعت الذي اعتادنا على تقديم برامج ترفيهية ذات رسالة هادفة.

للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى